Sunday, November 12, 2006

كيميا

كــيــميــــــا

تجلس الآن وحدك ، تهرب إلى فضاء أوراقك ... بعد أن أرقتك الهواجس... بعد أن قلقلت الأفكار المرة جمجتك ... فلا تستكين على الوسادة ، قمت فزعاً إلى قلمك المختبئ تحت كومة المجلات والكتب ، أوقفت حافره على أول المضمار ... لكزتُه بكلماتك ... لم يستجب ، أحنقتك رعونته ,بحثت داخلك عن فارس يســـوس ... وجدتك نائماً !! هدك الإعياء ... تفترش الحطب اليابس ... تتوســـد الآتي دون أن تبصره ... وكأن جبران كان يعنيك حين قال :
" عندما تدرك غاية ما يجب أن تعلم ، ستبلغ بداية ما يجب أن تشعر به "
ستترى عليك الأحلام المخاتلة دون أن تقدر على تفسيرها ، تفطن إلى أنك تجهل الكثير ...
تخليت عن جوادك / تخلى عنك...!!
أنت الذي تخير القلم ليكون رسولا....وما أقنعت بكلامك حتى الرسول ... تزعم الآن أنك ستنكس إلى مرحلة أخرى ... تملأ فيه كنانتك ...تشحذ سهامك ... تراها الآن بعين خيالك وقد تأسّـّل طرفها .... ترشقها في قلوب أعدائك الذين – بعد – لم يعرفوك ... !!!!
لعلك تفتقد الدفء فتنثره من خواطرك ... وتستدفئ على نار خوفك.... تلعن الشتاء وتنسب للصيف أمجاداًً
لا تقنعك – أحياناً – بأفضليته ...! تعيش الأحلام واقعا ... لا يرضيك أن لا يراه الآخرون كذلك.. تبشر من حولك بأن كل فجر يعقب دوماً ليل ... يبتسمون ...وقد ارتجّ عليك معنىً خفيٍ ... اختلطت رؤاك ... شاهت هواجسك ... شاخت أحلامك... ابتسامة الشيب الصفراء تعبث بما تبقى لديك من أمنيات ... .تتوق لدفء قديم - ينبعث نداءٌ – إليه - بداخلك – قوي – يدفعك لأن تؤمن به ..تتبعه ... و….........
تنتظر

Sunday, May 14, 2006

مقاطع من لحن عنيد


مقاطع من لحن عنيد
1
منظر عام
تات ... تات ... تات
كان صوت ... دقيق ... منغم
يصدر من سماعة هاتف معلقة , تتأرجح من كابينة اتصالات عمومية
وسط الميدان العتيق .

2
المشهد قبل الأخير

جسد نحيل ... ملقى على وجهه
... فارداً قدماً
مرخياًً أخرى
قابضاً بيده على قصاصة ورق صغيرة
غارقاً في بركة دماء أغرقت الرصيف بينما انساب إلى أسفلت الميدان
خيط تجمع في دائرة حمراء قانية
تلمع تحت أشعة شمس أغسطس في منتصف النهار
مقطوع الشريان تحت السماعة المتأرجحة وسط الميدان العتيق
تات ... تات... تات

3
البداية

مع أول نظرة إليها ... دبّت فيه حياة جديدة
وأوأ القلب الوليد ، و... مع أول نظرة منها انسابت من حوله / من داخله.أنغام عذبة
تُرى ... كان يغنى "لفيروز" أم يستمع إليها ؟ ...لا يدرى ,
فقط ... كانت الدنيا من حوله لحناً متواصلاًً
رقص عليه مثل "فرانك سيناترا" في حب تحت المطر وسط الشوارع , تجاهل نظرات الأعين الكثيرة في الرؤوس المتشابكة
دفع كل الأجساد ... انساب وسط الزحام كعصفور طليق لتوه
, و... في غرفته القليلة الأثاث قدّم أروع عرض مونودرامى
متمثلاً كل فرسان العشق منذ آدم ... إليه .
4
مشهد الحب الأخير

بعد لقاءات قليلة ... أخبرته أن اللقاء بات خطراً عظيماً , اقترض من كل معارفه , أحضره إلى البيت ... رفع السماعة ... اختلج قلبه بشدة لمّا وصلته النغمات المنبعثة منها معلنة وجود الحرارة ... عزف لحنها ... أتاه من بعيد صوتها " آلو "... أرتضى أن يلقاها عبر أسلاك الهاتف , قنع منها بصوتها الحالم ينساب مدغدغاً حواسه ... فاتحاً قلبه على مصراعيه لترتاده بين الحين و الحين , تجول في ربوعه ... تعيد ترتيب محتوياته ... تنظفه من كل الأشياء , تستبدلها بصوره لها بحجم القلب كله،
قال كثيراًُ ، أخرج صورتها المعلقة على جدران القلب ... و صفها خلية خلية ... بكل ألوان الورد ... بكل روائح العطر , صمتت ... استنطقها , قالت ... " أحبك ".
5
مقاطع اللحن العنيد
( أ )
كان يعشق السينما ... فجعلها بطلة أحلامه ، كلمها عن لعبة الشطرنج التي يهواها .. فلاعبته الكوتشينة التى لا يجيدها و لا يحبها .
أخرجت له من بين الأوراق عريساً فالتهم كل أوراقه الباهتة ... ألقته في بئر من الحيرة حيناً ... ليسبح نحو بالوعة اغتراب مدفوعا بالأمل ... مزوداً بالعشق ... محملاً بوعد أزليّ ... بالحب و ... الانتظار .
( ب )

كان عاشقا لا يحسن التعبير عن خلجاته سوى بالشعر والغناء.... وهبها من روحه... بضع كلمات
" معزوفةٍ شعريةٍ طرزها بحروف اسمها الغالي " ... ومن جُب اغترابه عزف لحنها الطويل... أسمعها ما كتب ... فأتاه صوتها المتكاسل... " تصبح على خير " ... أردفت " صوت الترنك يزعجنى "... طوى صحيفته وانزوى ينزف سؤاله ..." ما الذي جرى "... دماً صاحبه إلى أن عاد يجنى ما حصد...الم في الظهر...علة مزمنة بالصدر المتيم... وصورة بحجم القلب عنوانها قصاصة مطوية...محفور عليها لحنها رافقت في حقيبته.... قليلا مما ادخر ،
( ج )

عزف لحنها من كابينة اتصال عمومية .... أتاه صوت معدني ... بارد " هذا الرقم غير موجود بالخدمة "... تعجب قليلا ثم عاود الكرة... ليجيبه نفس الصوت ... كرر الطلب... عبس برهة لكن ... سرعان ما عبث به الأمل ليقضى أياما / أسابيعا / شهوراً ... مصدقاً له ، باحثاً دون كلل ... قابضاً على قصاصة الورق محدقا... في كل وجهٍ قد يكون لها... لكنها لم تكن هناك... أخرج صورتها... سألها ...جمودها آلم الفراغ الذي خلفته ... ردها واستدار يواصل البحث دون أمل

( د )

أشعث... أغبر...محنى الظهر،هل كان يحاول رؤية الصورة المعلقة على جدار القلب؟ربما... وربما لو سأل عنها دمه أن تجيب عزفه غناء... أن تعدو إليه ... أن تفي بوعدها القديم، لذا ... بآخر ما تبقى لديه من أمل تقدم نحو الكابينة ... أولج " الكارت "... عزف اللحن ... أجابه نفس الصوت المعدني مستنفذا آخر...ما تبقى من أمل ...مشيداً جدارا مانعاً دونها.... استل ماكينة الحلاقة التي لم يستعملها منذ عاد ...أخفى وجهه في تجويف الكابينة... أدخل يديه....رفعهما أمام عينيه...باليد اليمنى اقترب قابضاً باليسرى على بروز معدني دون أن يتخلى عن قصاصة الورق ... حاملة اللحن العنيد ، الآن... الموسى متقاطع مع شريان المعصم ... يضغط ... يغمض عينيه... يضغط أكثر... يهتف باسمها... يغيب......يقع متشبسا بالورقة الصغيرة ذات اللحن القديم... متصاحباً مع صوت السماعة المعلقة ... تات ... تات ... تات
6
النهاية
محاطاً بعشرت الأقدام مغطىً بورق جرائد ملوث بالدماء... ينظر في مئات الوجوه التي تتطلع إليه..بأسف.. وحسرة... وشفقة... وحزن...رأى كل العيون دامعة ..ما عداها ...تتأمله في جمود...من خلال عينيها المرشوقتين فى جسده المسجى تحت السماعة المتأرجحة... وسط الميدان العتيق... دون دمعة حزن أخيرة


فتحى إسماعيل

تحقيق

تحقيق

أمام المحقق كان واقفاً،رافعا رأساً استسلم الأسود فيها للشيب المبكر،محدقا في النافذة من خلال نظارة طبية رقيقة واضعا يديه خلف ظهره ،ضاغطاً بذراعيه جسداً ناحلاً كان يستطيع من مكانه أن يرى المدينة ، حركة الشارع ... ،سيارة تسير مسرعة في عكس الاتجاه المرسوم ، عجوزمتهالك يفر من أمامهابعد أن يتخلى عن كل ما كان يحمله،بائع فل شاب يتصيد السيارات عند الإشارة،يتبعه كظله طفل رث الثياب ... يمد يده بعلب المناديل الورقية ، رهط من الناس يهرولون وراء أتوبيس تخطى موضع وقوفه ... يبتسم ،
- ما الذي يضحكك؟
- أنا لم أضحك ...فقط ابتسمت
- إذن ما الذي تبتسم له؟
- نكتة ...تذكرت نكتة
كان قد التف بجسده ليواجه مكتبا بسيطا، تراصت عليه مجموعة من الملفات بينما تناثرت أقلام وبضع أوراق على جوانبه ،فنجان قهوة فارغ،وخلفه يجلس محدثه ...شاب في الثلاثينات من عمره حليق الوجه،وسيم ،متأنق يخلع بذلته الثمينة،يعلقها علي ظهر المقعد...يقطب حاجبيه...بابتسامة مصطنعة،مطرزة بسخرية تطل من عينيه ...يسترخي إلي الوراء :
- اروها لي ... لم أضحك منذ زمن بعيد
- إنها لا تضحك أحدا غيري
- حتى النكتة تريد أن تفلسفها
- .....
يرمقه بنظرة متحدية ،يفك عقدة يديه ،يفرك كفيه أحدهما بالآخر،
- ممكن أفهم سبب وجودي هنا
- هل يضايقك وجودك معنا؟
- أكيد
- هل سببنا لك إزعاجا أو خلل في المواعيد لا سمح الله
كانت لكنة السخرية بدأت تأخذ شكلاً أوضح ....مع نظرة تشفي لا مبرر لها تندفع من عيني المحقق...
- المفروض أني هنا للتحقيق معي
بسخرية أشد وبسمة عريضة لمع لها خديه الحليقين...
- من قال ذلك؟
- إذن دعتي أنصرف
- ليس بهذه السرعة
زفرة حنق تصدر من صدر محموم ،بينما يعدل نظارته فوق أنفه ...
- أنت مدرس؟
- نعم
- جغرافيا؟
- نعم
- أم تاريخ ؟
- لا... جغرافيا ....جغرافيا يا أفندم
- وعندك 35 سنة أليس كذلك
- (بغضب مكتوم) أجل
- ولم تتزوج إلى الآن
- (بفراغ صبر) بلى
- لما؟
- لم يحدث نصيب
- أم لم تجد من ترض بك ؟
كاد أن يزدرد سباباً ، أن يبصق على هذا الوجه الحليق ،أن يكيل لكمة إلى أسنانه البارزة دوما بفعل الابتسامة اللزجة التي تصيبه بالقرف ،ولكن هو يعلم جيدا أن تلك حيلة لإفقاده أعصابه ومن ثم جعله أقل صلابة في مواجهة المحقق...لذا تمسك بالخيط الفاصل بين الغضب والثورة عند حده الأدنى,
- ممكن
- لم تعجب أنثى إذن ... فكيف ستعجب الله ؟
- استغفر الله العظيم
- أنت مؤمن إذن..هل تصلي ؟
- لا
- لماذا ؟
- هذا بيني وبين ربي
- أنت لا عندك زوجة ولا تصلي ...؟؟
ينهض المحقق ويدور حوله ...
- هل لديك أصحاب ...أصدقاء ؟
- ربما
- مثلك هكذا
- لا أفهم .....ماذا تقصد
يواجهه حتى تكاد أنفه تلامس ذقن المدرس الذي اندفعت الدماء إلى نافوخه حتى كاد ينفجر...
- أنت والدك ... حي
- لا... تعيش أنت
- الله يرحمه لم يحسن تربيتك
آلآف الصور دارت بمخيلته ... تحذير زملاء العمل له ... نشرة الأخبار التي تنقل وقائع الاستفتاء ... هتلر يخطب في جيوشه ... كسينجر يبتسم ابتسامة واسعة وهو.يصافح الرئيس...بوش الابن يعلن الحرب على ألإرهاب بأمر الرب.... صورة للحكومة الأمريكية تشرب نخب انتصارها... برقيات العزاء التي تملأ صفحات الجرائد القومية...إعلانات التأييد والمبايعة التي تملأ الشوارع /الميادين /الصحف /القنوات الفضائية والأرضية ...فتيات الإعلانات ...رجال الدين الإسلامي والمسيحي متعانقين في إفطار مجمع...سيارة فارهة تمر في شارع غارق بمياه المجاري......تماثيل تنهار ...عمارات فاخرة تخر راكعة وسط دخان كثيف...دماء خضبت كل الأعلام...اراض مغتصبة.. خريطة للوطن باللون الأحمر...ذات اللون الذي ترتديه مادونا وهى تعلن زيارتها لإسرائيل...بينما تباع لبانة بريتني سبيرز في المزاد العلني ...وكذلك الشركات (الخاسرة)/الشباب الملقى على الأرصفة والمقاهي..
آلاف الصور تمر في شريط حلزوني يدور ...يدور...وذلك المحقق بوجهه الحليق يحدق بعينيه المتورمتين من أثر النوم... يخرج لسانه... كانت رقبته متضخمة وعروقه نافرة ....و ....
لمعت عينا المحقق بدهشة وعدم تصديق ...كانت أصابع المدرس الرفيعة تلتف حول الرقبة كالسوار ...صلبة... متشنجة ،الخيط الواصل بين الغضب والثورة ...انقطع فجأة تاركا الثورة تعبر بالغضب حاجز السكون...
المحقق ...جثته...تتهاوي تحت قدمي المدرس ..اللاهث ...وقد تدلت نظارته عند أرنبة...أنفه...ينظر إلى الجثة... يزفر في ارتياح...


فتحي إسماعيل

سيرة صرصار

سيرة صرصار

-1-
تحتمت كينونته وسط القذارة،ألفها ،تكيف معها ، لم يسبق له أن ازدراها أو مقتها،فكانت أصله ومنشأه،حياته وملاذه،عاش فيها ومنها، عليها تربى ،وسطها لعب وغضب وضحك وبكى ،يبدأ حياته منها وينتهي حلمه إليها، كل آماله أن لا يناله نعل قبقاب أو كعب حذاء .
-2-
شب ، انتقل بأقذائه مع القذارة الأم إلى محيط آخر... تتغير فيه الرؤية..تتجزأ الأشياء ..تتقزم كينونته،
يضطرب كائن غريب عليه...لم يشعر به من قبل، يتحسس صدره ... تصله قفزات الكائن المتلاحقة... يظنها لحظة ميلاد جديد... تتوه الرؤية ... تدور من حوله الأشياء... برهة ... ثم ... تثبت ، يوقن أنها لحظة خلق جديد.
-3-
خرج ... رأى ... تطلع ... امتلأ رأسه الصغير... ذرات من اللامعقول ... تتمدد ... تتبلور... تصبح أسئلة
- لماذا نحيا على الفضلات ؟
- لماذا لا نحيا في كون وحدنا؟ لماذا نعيش في محيط واحد مع من نتذلل لهم،نرقب أقدامهم في
خوف. نتبع خطاهم في حذر ؟
تتقافز أسئلته ... يضيق عقله بالإجابة... يستنكرها، يحاولون إجابته ، يحاولون إكساب إجاباتهم أكبر قدر من الرصانة والإقناع:
- إنهم أساس حياتنا نشأنا على فضلا تهم،مخلفاتهم وطننا،ندعو لهم بالخير كي تزيد فضلا تهم
...أرزاقنا
لكنه لا يتوقف عن طرح مزيد من الأسئلة ، بينما تتسع أعين السادة ، يرقبون بكل الحذر والتوجس نظراته...ثورته...يسبرون أغواره ..فيرون القلب المختلج النبضات ..عقله المحموم الفكر ، تأخذهم رعشة قلق على حاضرهم، يخشون تقلقل كينونتهم ... يحاولون إقناعه دون جدوى فقد أغلق عقله إلا عن هدفه الذي يختلج له القلب وتفور لأجله الدماء في العروق
-4-
يجتمع المجلس القلق ، تستدير الدائرة لتنغلق عند الرئيس الذي يعبث في شواربه بتوتر
وارتباك ، يتناقشون في حدة وتوجس ...والمحور............... هو ،
يبدأ أحدهم بصوت هادئ كأنه يحادث نفسه :
- إنى أرى في عينيه الخطر الأعظم
من عنده تبدأ الأنظار ثم تسير ببطء في اتجاه الرئيس ، تقف عنده ..وكأنها سهام تتجه إلى عينيه فيرمش بأهدابه الكليلة ،إلى رأسه فتضطرب أفكاره ، إلى شاربه فيرتعش وإلى فمه فتخرج كلماته ضعيفة واهنة :
- إني أراه كذلك.
و..يدلى طرْفه عند يديه المضمومتين ، ثم يسكن ...وكأنه راح فى إغفاءة عميقة ، يصرخ النشط المتململ منذ بدأ النقاش
- لقد امتلأ رأسه بالأحلام ... لقد بدأ يتطلع ... يتطلع !!!
وتبدأ منه الأنظار وببطئها المعتاد تسير نحو الصامت صمت الموتى والذي يستشعر بحكم العادة اتجاه الأنظار إليه... فيرفع رأسه العجوز بينما يخرج صوته الواهن :
- إنه تطلع بالفعل
ترتبك الأعين ، تتوه ما بين من يواجهها ومن يجاورها ، بينما تتناقل الأفواه نفس اللفظ ...... "الخطر الأعظم" اا
يرفع يده المعروقة حتى تحاذى رأسه العجوز ، فينتقل الصمت إليهم ويعم السكون أرجاء الدائرة
..تتسع عيناه ... ببريق مخيف ... يهمس ببطء شديد .
الأمر جد خطير..
وكأنها إشارة البدء ... لتنفلت ألسنتهم وتنطلق هادرة من أفواههم الكلمات :-
ما العمل ؟
يستبعد
كيف ؟
نقتله
نحاول هدايته فهو ما زال يحلم
لقد تجاوز حدود الحلم
لقد تطلع
فصل الخطاب يستبعد
لو بقى سيدمرنا
نطرده
أين يذهب ؟
لا شأن لنا
الحل ما قلت
نطرده ؟
كي نعيش في سلام
نطرده
نطرده
يدور الجدل في تلك الدائرة ، والرأس صامت ، فلا حركة ولا صوت والعين ترقب ما يحدث في سكون ، وعندما تصل دائرة الحوار إلى رأى مشترك مجمع عليه، يرفع يده بمحاذاة رأسه العجوز ، ليعم الصمت أرجاء القاعة ... ويعلو نسبيا صوته الوقور
يُطرد
-5-
"ما ولدت إلا لأحيا هنا ، هنا قدر لمثلى أن يعيش بين الأضواء آلتي تناسب أشعة الحقيقة المنبعثة من أعماق نفسي"
مضى يحدّث نفسه بينما يسير على أجنحة النشوة ، فوق أيادىالحلم الجميل ،غير معط لفسيولوجية الجسد اعتبار ، سار كثيرا ، تبادلته الشوارع والميادين ،الأزقة والحارات ، يشعر بسمو مادته يرى ذاته توازى ذوات أرباب العالم الجديد ،مما دفعه لمواصلة السير حتى وإن تكررت المعالم وإن تشابهت الوجوه ليجد نفسه وجها لوجه مع ماضيه وعالمه الأول يرتد فزعاً ...يعدو هارباً
و ... ظلمة مراوغة تحاول التسلل ... يحاول منعها ... لا يستطيع
يتقزم الحلم ... يدور حول نفسه ، يبحث عن لمحة ترحيب ، عن ثمة ابتسامة....عن يد تمتد نحوه ، يتسرب اليأس إلى نفسه ، يشعر بالظمأ ... بالجوع، تعلو بجوار أذنه طرقعات ... يهرول مفزوعا ... متهالكا ... يتوكأ على الحوائط... يشم رائحة أليفة ... يكرهها ... يقبلها على مضض ... يحاول الاقتراب ... يعجز تطارده أصوات كثيرة ... يعرفها ...التاريخ ملئ بمآسي كانت سبباً فيها ... نصف عائلته راح ضحيةً لأصحابها، يهرب منها ...يهرول ، يسير ... يحبو ... يتهالك... يتكوم تحت جدار ... بطيئةً نبضات قلبه... يغشاه ظلام ...لا يمنعه من رؤية موقعه بين العالميْن
نازفا أحلام وأمال ....... لم تكتمل
فتحي إسماعيل
1992

عوسجة

*عــــوســـــجــــة
مليون لؤلؤة على صدر الأميرة"
لا تساوي
"عطر عوسجة تغذيها البكارة

تماماً في سرة السماء.. تعبس بوجهها الملتهب ،تنفخ من جوفها حمما قائظة تلسع الجباه ، تحرق انسجة الملابس البترولية ،تكوى اللحم الذى اوهم أن للملابس دورا آخر غير "الستر" ، تتفصد مسام الجسد ملحا مبللاً بالماء ، أو هكذا خالته أمينه ، تسير محتمية بالبنايات التى تحجب عنها الشمس ولا تقيها حرها ... تشوى جلدها ، مناطق ما فى جسدها خالتها علامة تفرد خاصية تخول لها تيها ودلالاً تكاد الآن تلعنهما ، تتوقف أمانيها و أسمى طموحاتها عند حمام شقتهم... تحت الدش الصدئ تحديداً.
تزداد ضيقا بالإيشارب ، يحجز العرق الذي يطوق الرقبة فيصبح حسكا ينغز منابت الشعر تتمنى لو خففت قليلا من ملابسها هذه الأيام ، آلتي لم تكن أبدا كباقي أيامها ، ناراً أُبدلت من قلق شهورا تعانيه ،
خالته سينتهي ، فإذا به يتحول آتونا مشتعلا ، ينهش صدرها ببخة تنين متعملق يحمل في أحشائه كل من عرفتهم إلا ماجدة
أينك الآن ؟
وحدها فكرت و...و حدها حاولت أن تطفئ النار .
- لكن ... بالنار يا ماجدة ؟
كنا نعتقد أن بالحقيبة أدوات الماكياج
- أو ساندوتشات
- أو رسائل الغزل
- فإذا بها مسدسات
- كيدهن عظيم "
لو كانت معها الآن لردت للمتحذلقين الصاع صيعان ، غصة تخنق بداخلها الريق المزدرد.
- لستم بأقل منه استحقاقا ًللردع .
تهمس بخاطرها...
يجيبها صوت ماجدة من قاع رأسها المترع بالذكريات :
" كائنات ضارة , أشبه بالذباب الذي لا يفرق بين العسل والدم المتخثر "
هكذا بصقتها ماجدة كرة من القرف ... حينها كان يقف أمامهما محتميا بفرع مائل ظلل الرصيف تاركا الأم فى مدخل أحد البنايات الحكومية ، يبتسم البلل على شفتيه ، يهش الذبابة من على الأنف الأفطس ، يتسامق طوله بحدبه تقى شعرًا حالكا لامعا مصفوفا للوراء بعناية وقد شوش بضعه الأمامى وتدلى حتى الحاجبين المزججيين ، يلقى بظله على ايهن ، لا تردعه تأففات الإزدراء ، لا يعنيه كره يطفح على العينين... نار، لا تشعره بذرة ارق ... لا تقلقل ثبات خطواته ، تصطك ركبتا أمينه ، تلتصق بصاحبتها التى ترمقها بعتاب غاضب ، تحدجه بنظرتين يشتعل التقزز فيهما ، تسحب رفيقتها ، تفضل نار الشمس على زمهريره اللزج ؛
تنفخ أمينة في ضيق توجعها الذكرى ، تهتف :
- ليتها ما جرأت .
تسير وكأنها لا تنقل قدميها ، تمل الرنو إلى معلم ، تحفظه ... الزحام يخنقها ، يعرقل خطواتها
الشمس لا تتركها بدون أن تدعس قوامها بيد ملتهبة ، تنحني ، تغرق في عرقها ، خجلها المميت ، تصل موقف السيارات ،
أخيراً ... تزفر في ارتياح سرعان ما يتحول إلى ألم يعتصر قلبها .
هنا كانت تصافح " ماجدة " تتباعدان واليدان متشبثتان ، تتراجعان والأصابع متكالبة ، والأنامل بعد هنيهات الملامسة الأخيرة ... تفترق على وعد باللقاء بعد يوم دراسى لم يتركا للهواء منفذا يحتله أو يعيره بينهما ،
هنا رأتها للمرة الأخيرة ، محاطة بعشرات الأيدي ... تخبط كفا بكف ، تشوّح ، ترتفع للسماء تشير إلى بقعة ما في الأرض ، بمئات الأعين... يندفع منها سائل لزج نحوها ، يعترى جسدها المحطوط في البؤرة ، يأكل أمينة سؤال ، يضعضع حواسها مبهم ، خوف خفي يظلل محيطها ، هلع حقيقي يزلزل كيانها ... يرعش فرائصها يترك فقط في الحلق غصة ، يبسان يحجر فمها ، ترفع يدها ، وصوت متحشرج ، مخنوق :
- " ماجدة "
على عينيها ثبات عجيب ، في وجهها إصرار قوى ، لا ترى صاحبتها آلتي تسأل من حولها بينما تأتيها الإجابة كلمات متناثرة تخرج من أفواه عدة :
- قتيل
- البنت قتلته ... مسكين
- كانت تحمل مسدسا في حقيبة يدها
- معركة انتهت بإطلاق الرصاص
- الشرطة تعاملت مع الموقف
تساءلت و.." مستحيل " تلون كل حروف سؤالها برفض رمادي:
- هكذا تنتهي ماجدة ... ؟؟
- " هكذا ابدأ "
قالتها" ماجدة " للمذيع التليفزيوني ، نصب من نفسه وضيوفه قضاة ، كانت تراها من خلف سرسوب دمع يحرق مآقيها ،
قال أخوها :
- لم يتركن شئ لنا ، حتى الحياة يسلبنها منا ، يقضين علينا بالفتنة وبالموت .
رمقته " أمينة " بغضب مرير منكسر وهرولت إلى غرفتها وتركت للوسادة احتضان ما تبقى لديها من دموع ، في نفس الليلة جاءتها في مدرج خالي من سواهما ، هبطت من أعلى أم انشقت عنها الأرض ؟ لا تدرى
بيدها مسدس تضعه على كفها وتبتسم نفس ابتسامتها العذبة ، في عينيها سؤال سمعته
" أمينة " ولم تفه به " ماجدة ":
- أترينني قاتلة ؟
- لا...
- لماذا تخليت عنى ؟
- ناديت عليك ولم تسمعينني
- سمعتك..
- لم تردى
- كانوا يقيدونني ...سلاسل بعدد عيونهم وقوة رفضهم ، طوقتني ، تخللت جسدي ، فكوا ايشاربي ، سلسلوا خصلات شعرى
- رأيتهم
- لم تمنعيهم
- خجلت
- هكذا أرادوني
- أنت افضل منى
- تريدين علاقتنا تستمر ؟
- نعم ..
- ألا تخجلين منى ؟
- انا ...ا ....ا...
تتعثر الحروف على لسانها بينما تتباعد ماجدة ، تتراجع وكأن شيئا ما يدفعها للخلف حتى تختفي، تصرخ " ماجدة " ..." ماجدة "... , و ...
- "أمينة" ... " أمينة"
يصلها صوت هامس حاني ، يسحبها خلال ممر رمادي تفتح عينيها لتجد أمها تضع يدا على صدرها والأخرى تمسح على شعرها
- حلمت ؟
- ماجدة يا أمي
- لها الله
- لم تذنب
- القتل جرم بشع
تعتدل في سرعة خاطفة ، تراه فوق الدولاب يخرج لسانه لها
- كان يستحق
- ليس لنا الحكم ، وإن كان ...فلا نملك الفعل ، لا يأخذ الروح إلا من خلقها
- لم يكن آدميا
- لايجوز عليه الآن إلا الرحمة
- لن يرحمه الله
- استغفرى الله
- انه شيطان ، شيطان يا أمي
تلقى بنفسها تحت الدش ، تحتضن حلمها بالماء البارد ، تسبل جفنيها ، تثق في الجدران تترك لجسد ها حريته ، يبوح ويتنفس ، ولكن اللحظة تأبى تركها والحلم يهنئان بلا ذكرى يجفل لها قلبها وتتأجج في الجسد نار تؤرقه ، تجرحه ...ولا تفلح المياه في تبريد الجراح فتبقى لترى فيها دموع " ماجدة " التي تبلل خمارها
-" لم اعد أطيق لقد وصلت إلى هنا بصعوبة ، يطاردني أينما ذهبت ، لم يدع لي منفذا ، رنين الهاتف لا ينقطع ، لا يترك أبى وأخي لحالهما ، يطاردهما أيضا ، بات رواد المقهى يعرفونني ، صوري يتناقلها الطائشون ."
- منها لله " مديحة " أسلمتك للشيطان
- بعد أن أسلمت نفسها
- يفرد شباكه القذرة أينما راح
- ولا يعدم وسيله
- فرصة لا تضيعها الساقطات
- على أشكالها تقع الطيور
- خنازير
- أنتِ الصيد الذي تمرد
- يهدد آبي بنشر صوري ولا يترك أمي لحالها ، يطلب مالا ليسكت
- أعطوه إذا ما يريد
- يقول أبي أن في ذلك اعتراف بثمة علاقة
- والعمل ؟
- سأصبر...
و.... تنظر للسماء بعين دامعة وقلب مكلوم ، تشاركها " أمينة " الصلاة صمتاً.....،
لا تدرى أن أرقها جثم على قلب صاحبتها ، بات همها ولما فعلتها انشطرت أمينه نصفين ،
نصف مستريح ونصف يقتله الألم ، نصف يبكى صاحبتها ونصف ينشد فيها الأغانى ، نصف قلق على مستقبلها ، ونصف قرير بنجاتها
- اهو حب ؟
قالتها امينه من داخل أحد المدرجات وهى تنظر من نافذته إلى فناء الكلية ، تتابع الثنائيات المتناثرة تحت ظلال الأشجار والمظلات الخشبية و... همس محيط
نظرت ماجدة نظرة سريعة ثم تراجعت قائلة :
- مودة ... كهذا الحذاء ...
تشير إلى قدميها وتكمل :
- ... أليس مستورداً ؟
تنظر" أمينة " في عينيها لحظات ... ثم تنفرج الشفاه عن ابتسامتين ضالتين ، أكسبتا وجهيهما ملاحة غبرها الحزن .
من شق ضيق في النافذة ينساب شعاع الشمس ، عمود مائل بتراقص الغبار في محيطه الضيق ، يضئ العتمة ، يمنع انكساره عند المرآة أمينه أن ترى وجهها ... لا تهتم ... تتأمل الأسطوانة المفعمة بالغبار ، تمتلئ حجرتها به إذن ، بل الشارع ، الدنيا ، لا يتضح إلا بمفارقة كهذه ، فى قلب العتمة ، يروح شهيقا ، ولا يجئ مع الزفير ، يحط على الأثاث ، الملابس ، العيون ، لا نبالى ..........ونعيش
تقلقنا الحقيقة ، نكره من يكشف عرانا ، والعرى ذاته اختيار ،
كانت تبحث في" شنطة يدها" عن منديل ورقى حينما رأته ، جفلت ....
- ما هذا ؟
ابتسمت " ماجد ة" في ارتباك و أغلقت " شنطتها "
- مسدس ؟ ماذا ستفعلين به ؟
- أدافع عن نفسي
- أخشى عليك منه
- المسدس أم هو
- الاثنان و... مستقبلك
- الذئب لم يترك في الحاضر فرجة أتطلع منها إلى الغد ، أخرج من جرابه اللعبة الجديدة ، حيلة شياطين ... وثيقة زواج عرفي ، طالب بالمال وإلا سيفضح أمري ، لم ينتظر الرد ، نشر الوثيقة بين المعارف ،
بات الكل يرونها لوحته التى تمردت أعلنت أنها لم تزل ورقة بيضاء ، عبثت أصابعه على أوتار السكون فأجج فى محيطها ناراً عبثا ً حاولت إطفائها و...
ليلة حمراء لو قضاها معها سيستريح ، ويستكين الشيطان داخله .
الشرطة لا تقنعها الاتهامات المرسلة ، والشرف لا يستحق الحراسة ،أغلقت بابها وأسلمت نفسها للحبس الاختياري ، عيون الزملاء والجيران والأقارب تهتك رجولة أبيها وأخيها ،تعرى الستائر الكثيفة بينما يستلقي أصحابها على الأرائك يتفرجون ، يتندرون ، يمصمصون الشفاه وهم يرشفون المثلجات في ارتياح وسكينه إلا هي ، وحدها تشعر بصديقتها ، تعانى معاناتها ، تخشى عليها منه وعلى نفسها ، لا تدرى ما يخبئه الغد ، لا تأمن هجمة الذئاب المفاجئة ،تكتظ الصحف بأخبار الاغتصاب ، والطوفان لا يبقى على أحد تعتصرها المخاوف ، تشلها الهواجس الكئيبة ، يلدغها خاطر ... لو صادفها في إحدى الطرق ، لو تخيرها صيدا ، تتوخى السلامة...!! ؟ وتبدل الوداعة بثوب الحيات مثل من توخينها ؟
وتحلق ... فوق هيكل الأب المنكسر والأخ الملتاث ، والأم حين تقرأ الفاتحة فى ساعة لا تكاد تعى ما تنطقه ؟ لا تردع شقيقتها حين تنفلت ... تقطف بين يدى الإثم ورودها الحمراء وتقدمها قرباناً لأمنها ؟

تقرأ في الجرائد...(اصبحت ترى أخبارها بين المغتصبين والقتلة ).........تفرج عنها النيابة بكفالة.
يراودها سؤال ، هل تزورها ؟ تحتضنها كما الأيام الخوالى ؟... ترتعد ، يخفق قلبها بشدة ، تعييها الإجابة ، تلقى رأسها على الوسادة وتروح في إ إغفاءة ...لا تسقطها فى هوة كرى مستقر

فتحي إسماعيل